الاثنين، 16 أغسطس 2010

المطبات المحزنة- د.أيمن الجندي

مشوار طويل مفعم بالألم قطعه العاشق متأرجحا بين اليأس والأمل.. بين الفرح الغامر والتعاسة المطلقة.. أسوأ شيء أن تجعل سعادتك رهنا لامرأة.. لا تبالي إذا غاب ولا تهتم إذا حضر.. لكنه استمر على الذهاب إلى المقهى يوميا فإذا لمست منه فتورا هشت له لتبعث فيه الأمل.
طريق وعر مليء بالمطبات المحزنة.. هذا الرجل الألماني الذي يتردد على المقهى بانتظام، وتتبادل معه الحديث الضاحك دون مبالاة بمشاعره.. كانت مصرة أن يتجرع كأس المهانة حتى ثمالته.. راح يتأمل عنقها النحيل، ويتمنى أن يغمد فيه السكين؛ ليتخلص من العذاب، وفي الوقت نفسه يود لو يغمره بالقبلات.
بالتدريج أدرك أنها تستخدمه كبديل متاح للعشاء عندما لا تجد صديقها الألماني.. واعتاد على أن يبرر قسوتها بغبائها.. قال إنها لا تملك العقل الكافي لتفهم كم هي تؤذيه!!. خالية من الحواس والعاطفة والغيرة.. جرب أن يجلس إلى مناضد أخرى، ويغازل الأخريات لكنها لم تهتم.. جرب أن يعرض عليها الزواج، لكنها لم تبد حماسا للفكرة.
وفجأة وقعت الواقعة.. تزوجت من الألماني، واختفت تماما عن ناظره.. في الأيام التالية عانى ألما رهيبا، لكنه صمم على الشفاء.. تساءل: كيف تورط في هذه القصة المخزية؟ وسمح لنفسه أن تهان لهذه الدرجة؟
هنا ظهرت في حياته نورا.. امرأة نقية منحته الحب بلا حدود، في سكينة وثبات وإخلاص.. كان لقاؤه بها راحة للروح.. لكنه لم يسأل نفسه هل يحبها أم لا؟ ولم يجد في نفسه ضرورة للتعجل.
ومرت الأيام هادئة هنيئة إلى أن عادت ملدريد .. كانت تبكي دون أن تحاول أن تمسح دموعها.. يداها متدليتان إلى جانبها في يأس مطبق.. أدرك أنه ما زال يحبها كما كان وأكثر.. وها هي ترتجف أمامه وتبكي.. خفق قلبه حين قالت: "ليتني تزوجتك حين طلبت مني ذلك".
بسرعة عرف الحكاية.. زوجها الألماني هجرها.. في الحقيقة هو لم يتزوجها قط؛ لأنه متزوج ولديه ثلاثة أطفال.. سئمها بسرعة، وحينما عرف أنها حامل جن جنونه، وطردها بلا رحمة.. كانت الحقائق تنغرس في قلبه كسكين، وهو يفكر أنها رفضت الزواج منه في مقابل أن تكون عشيقته.
قالت له: "هل ما زلت مولعا بي كما كنت؟".
فسمع نفسه تقول: "ربما أكثر..".
كان عليه أن يختار بينها وبين (نورا) وكان الاختيار محسوما.. إنه يفضل عشر دقائق مع ملدريد على حياة كاملة مع (نورا).. قاسية انتهازية سوقية، ولكنه يحبها وهذا كاف. موقف عسير واجهه حينما صارح نورا بحقيقة الأمر.. سالت دموعها في صمت، ثم ذهبت.. ولم يكن لديه شك أنه فقد المخلوقة الوحيدة التي تهتم به في هذا العالم.
رغبة مجنونة
والذي حدث بعدها كان متوقعا.. تكفل بنفقات ولادتها رغم العبء المادي عليه، لكنها لم تشعره بأي امتنان.. رغبة مجنونة كانت تدفعه إلى أن يضحي بنفسه من أجلها.. بعدها لم تبال أن تهجره حينما وقعت في هوى صديقه المقرب.. وغدا يليق كل منهما بالآخر.. قصة تكررت بحذافيرها؛ حين ملها.. جن جنونها وراحت تمطره بالخطابات.. بعدها عادت إليه صاغرة، ولم يكن هذه المرة قادرا أن يغفر!.
حكاية مؤلمة لست مهتما باستقصائها، المهم أنه سيكف يوما عن حبها.. كان الألم جهنميا فوق احتماله.. والنفس تتبلد إذا تجاوز الحزن حده الأقصى.. تحرر من عبوديته وإن ظل يشعر بالمسئولية نحوها.. قال لها يوما: "مشكلتي أنك عجزت عن حبي، وهذا ما أثار سخطي وقتها مع أن هذا كان غباء مني حين حسبت أن في وسعي أن أجعلك تحبينني، لكني لم أنجح قط.. لا أعرف السبب الذي يجعل شخصا يحب شخصا آخر !!، لكنه أهم شيء، ومن دونه لا يمكن أن نخلق الحب عن طريق العطف أو اللطف أو الكرم..".
حكمة غالية استخلصها المفتون من حكايته المؤلمة، وأهداها لنا على طبق من ذهب.. كل شيء أو لا شيء.. الحب لا يؤخذ بل يوهب غالبا.. منحة من الخالق عز وجل.. مثل كل العطايا التي لا يشتريها المال.. كدفء الشمس وضوء القمر وتلألؤ النجوم.. كشربة الماء وفسحة الأرض وطعم العافية، كلها أشياء لا تشترى فكيف بالحب العطية الغالية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق