الاثنين، 16 أغسطس 2010

الساقية اللعوب- د.أيمن الجندي



"عبودية الإنسان"، هذا هو العنوان الذي اختاره الكاتب الإنجليزي الأشهر سومرست موم لسيرته الذاتية التي شهدت قصة حبه المؤلمة لميلدرد الساقية اللعوب التي هام بها حبا منذ رآها لأول مرة.. لم يكن فيها شيء يلفت أنظار أحد: نحيلة لها جسم صبي.. شفتاها شاحبتان تماما، وكأنه لا توجد قطرة دم.. ملولة بادية السأم.. لكن المصادفة لعبت دورها المعتاد: ملحوظة مرحة على سبيل الدعابة ردت عليها بغلظة.. عندما غادر المقهى شعر وكأنه تلقى صفعة.. لن يرتاح حتى يسوي حسابه معها.. ولم يكن يعلم أبدا أنه على مشارف أفق الحب وبداية طريق طويل طويل.
وبرغم أنه قرر عدم الذهاب للمقهى ثانية، فإنه وجد نفسه يتجه إلى هناك.. ولم تبد أي علامة على أنها رأته من قبل.. قال لنفسه: "أتمنى أن تقول شيئا يسمح لي أن أشكوها للإدارة فهي تستحق هذا..". لكنه لم يستطع أن يقصيها عن ذهنه.. كانت تلك هي خطوته الأولى في مشوار الحب.. أن تشغل بالك باستمرار، وتفكر فيها ليل نهار، ولو بزعم الكراهية"!!
حينما ابتدرته قائلة: "حسبت أنك لن تأتي!" شعر بقلبه يخفق وكأنها أعادت له تقديره لنفسه.. راح يتأملها وهي تطالع قصة رخيصة.. بسرعة أخرج ورقة ورسم (إسكتشا) سريعا لوجهها، وتركه على المنضدة.
في اليوم التالي قالت له ضاحكة: "لم أكن أعرف أنك تجيد الرسم".. كان هذا كافيا ليشعر أنه لم يعد يحمل لها أي ضغينة، ولكنه عندما جاء في اليوم التالي تجاهلته تماما، وانصرفت تثرثر مع رجل ألماني كث الشارب، وفي المساء التالي دعاها للمسرح فقبلت بلا حماس.
جلسا إلى مائدة الطعام حيث الشموع والستائر الحمراء.. قال نكتة أو نكتتين فأخذتهما على محمل الجد.. مسرحية سخيفة سوقية، لكنها بدت مستمتعة بوقتها وراحت تضحك بلا انقطاع وتصفق إذا استبد بها المرح.
 في الاستراحة انتقدت زميلاتها وعابت على كل شخص.. مشاعر متناقضة انتابته وقتها.. شعر أنه يكرهها، وفي الوقت نفسه يود أن يكون معها إلى الأبد.. كانت لا مبالاتها تثير جنونه، لكنه لا يعرف كيف ستمر الساعات حتى يراها غدا.. تعس معها وتعس من دونها.. سوقية تافهة، لكنها أهم شخص في عالمه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق