الاثنين، 27 سبتمبر 2010

بائعات الهوى في شوارع عمان - أشرف الراعي

على قارعة طريق "مخفي" تقف مايا (32 عاماً) بانتظار "زبون"، يقلها في سيارته، بعد الاتفاق من "خارج الزجاج" على سعر محدد لقاء مرافقته لمدة ساعة بحثا عن المتعة.
تحاول مايا، القادمة من إحدى الدول العربية والمطلقة منذ عامين، لفت انتباه السيارات المارة في ذلك الشارع، خاصة الفارهة منها "طمعاً" في الحصول على "أجر أعلى"، كما تقول.
وما إن يتم الاتفاق بينها، وبين الزبون على السعر، تستقل مايا سيارته، وتمضي لتمارس معه "الجنس" بمبلغ، قد يصل إلى 50 ديناراً في الساعة الواحدة، أو 100 دينار، إذا كان ذلك في منزل يقطنه الكثير من الفتيات العاملات في "الدعارة"، ضمن أسلوب "مُنظم".
بيد أن مايا، التي تقف دوماً في مكان قريب من إحدى الجامعات في العاصمة عمان، تحاول أحيانا "التخفي" من خلال ارتداء "عباءة سوداء"، وبخاصة عندما تزداد حملات التفتيش الأمنية على تلك المناطق، على حد قولها.
وتقول مايا، التي تعمل ليلاً في أحد البارات، "لجأت إلى ممارسة الدعارة لزيادة دخلي الشهري، خاصة وأنني تغربت من بلدي الأصلي لتوفير المال، وبأية طريقة كانت"، في بلد تجرم قوانينه الجنائية مرتكبي البغاء وتفرض على ذلك عقوبات جزائية "مرتفعة"، كما يشير قانونيون.
تجارة رائجة
ويتراوح الدخل الشهري لمايا، الحاصلة على الدبلوم المتوسط في المحاسبة، ما بين 750 وألف دينار من ممارسة هذه "المهنة"!
وتمارس مايا "الجنس" مع طالبي المتعة، "مُدركةً" أن عدم استخدامها للواقيات أثناء الممارسة قد ينشر أمراضا جنسية معدية مثل الإيدز، والزهري، والسيلان، والسفلس، لكنها لا تمانع في القيام بذلك مقابل مبلغ إضافي من المال.
وتستخدم الفتيات العاملات في البغاء مصطلحات "مُعومة" يفهم منها "طالبو المتعة" مقاصد الفتيات وأسعار ارتكاب الفاحشة معهن، والتي أصبحت بمثابة تسعيرة واحدة لهن جميعاً.
ولا تمانع هؤلاء الفتيات في عرض فتيات أخريات على الزبون، إن لم يوافق على اختيار الفتاة المقصودة لقاء سعر محدد، يجري حوله أحيانا الحوار، فيما تجند هؤلاء رجالا من أجل "اصطياد" الزبائن، وتسهيل عملهن، أو يتم الأمر بالعكس بحيث يدير رجال مجموعات من بائعات الهوى.
وتعزو هؤلاء الفتيات لجوءهن إلى ذلك إلى "اختلاف الإمكانات بينهن"، حتى بات الأمر "سلعة" يبعنها بأرخص الأثمان "مهما غلا سعرها"، كما يصف خبراء.
وعلى غرار مايا وفتيات الليل في شوارع رئيسية ومشهورة في عمان، لا تخلو مدن ومناطق أخرى في البلاد من هذه "التجارة"، وإن اختلفت بعض أشكال "العرض" وطرق الاصطياد للزبائن.
وفيما تشير توقعات أكاديميين الى تزايد انتشار تجارة الدعارة والفئة المتورطة فيها في السنوات القليلة الأخيرة، مع تزايد معدلات الفقر والبطالة والتردي المعيشي وانسحاق الطبقة الوسطى، فإن الإحصاءات الرسمية حول هذه الظاهرة تبقى غائبة ومتواضعة، ولا تمكن الباحث من قياس حجم الزيادة للظاهرة!
هوس الدعارة
في المقابل، يؤكد شباب أقروا بقيامهم بإقامة علاقات مع بائعات هوى أن الوقوف في الشارع لاصطياد واحدة من العاملات في الدعارة يصبح بمثابة "مرض" يلاحق الرجل؛ فما أن يمر الواحد بسيارته ويرى فتاة من "إياهن" على حد تعبير أحدهم حتى يوقف سيارته طمعا في جسدها.
يقول باسم (39 عاما) ويعمل سائق تاكسي إنه "يرى من هؤلاء الفتيات الكثير، خصوصا أنه يعمل في مجال يحتك فيه بالناس مباشرة"، مبديا انزعاجه من التصرفات "غير اللائقة" التي تقوم بها بعضهن، عندما يركبن معه، وهو ما دفعه مرات كثيرة إلى إرغامهن على النزول من سيارته.
العشريني رائد (وهو اسم وهمي) يقول إنه لجأ عدة مرات الى مواعدة "فتيات ليل" مقابل أجر، لكنه يشير الى أنه "يشعر بالندم" بعد كل مرة يلجأ فيها الى شراء المتعة!
سبب رئيسي للإيدز
وتشير دراسة علمية مُحكَمة، أجريت على عينة قوامها 96 محكومة بجرم "الدعارة" في سجن الجويدة، وأعدها أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية حسين الخزاعي، إلى أن نسبة "المومسات"، اللواتي يستخدمن العوازل أثناء الممارسة الجنسية، تصل الى 44.6 %،
وأن 80 % منهن يرغبن في التثقيف والتوعية حول مرض الإيدز المعدي.
ووفق الدراسة، فإن ما نسبته 58.6 % من المصابين بالإيدز من أردنيين وأجانب، والبالغ عددهم الإجمالي 437 حالة حتى آذار (مارس) العام الماضي، أصيبوا بالمرض عبر "المخالطة الجنسية".
إلى ذلك، تؤكد مايا لـ "الغد" أنها "لا تمارس الدعارة بشكل يومي، وإنما بحسب الزبون"، لكنها في جميع الأحوال لا تخرج يوما من منزلها، وتعود إليه "خالية الوفاض"، حسب قولها.
ويتساءل قانونيون حول كيفية "ضبط هذه الممارسات" في ظل تخوفات من انتشار الأمراض الجنسية "جراء القيام بهذه الممارسات الشاذة".
وتؤكد خمس "بائعات هوى" التقتهن "الغد" أنهن "يعمدن إلى تغيير أسمائهن الأصلية، حتى لا يتسنى للزبون معرفتهن"، لكنهن قد يتواصلن معه عبر الهاتف الخلوي للاتفاق في المرات اللاحقة.
إلى ذلك، تعلق نانسي (22 عاما) "هذا ليس اسمي الحقيقي، وإنما اسم العمل الذي قد يتغير من يوم لآخر وحسب الزبون".
وتلجأ نانسي، كما تكني نفسها، إلى ممارسة الدعارة لأنها "لم تجد عملاً"، مؤكدة أن عملها في الدعارة يدر عليها دخلا كبيراً، في حين تؤكد الدراسة أن "10 % من المومسات يمارسن الدعارة حباً في البغاء".
وتشير الدراسة إلى أن عامل الفقر المدقع أسهم بنسبة 33 %، في ممارسة الدعارة على من أجري عليهن المسح الميداني، فيما أسهم الفقر المتوسط بما نسبته 37 %، و10 % بسبب التعرض للاغتصاب في المراحل العمرية الأولى.
ووفق الخزاعي، فإن الأوضاع الاقتصادية "المتردية" تدفع فتيات إلى العمل في الدعارة بصورة متزايدة، وهو ما أدى إلى انتشارها في شوارع مناطق عمان الغربية والشرقية على حد سواء.
دعارة بغطاء شرعي
وتعمل روان (26 عاما) في الدعارة من خلال "غطاء شرعي"، عبر عملها في أحد المقاهي "الكوفي شوب"، بحيث تقوم باستدراج الزبون لإغوائه لممارسة الجنس داخل المقهى وبأسعار مرتفعة "لأن المكان مأمون"، كما تقول.
وفي أحد الشوارع الرئيسية بالعاصمة عمان، تقف هلا (29 عاماً) بانتظار "صاحب النصيب" كما تقول، وتتوارى عن أنظار المارة بالوقوف سريعا إلى جانب الرصيف متظاهرة أنها بانتظار "تاكسي"، إذا ما راودتها شكوك بشخصية السيارة التي تقف بجانبها، في حين تلجأ أخريات إلى التظاهر بأنهن "طالبات جامعيات" عبر حمل "كتب ودفاتر" حتى لا يتم ضبطهن.
وأشارت مصادر عليمة إلى أن شرطة الآداب التابعة لمديرية الأمن العام كانت نظمت حملات على شوارع رئيسية في العاصمة عمان لضبط الفتيات العاملات في الدعارة عبر خطط مدروسة لالتقاطهن.
عمل مشترك
إلى ذلك، رصدت "الغد" حالات يروج فيها البعض لزوجاتهم أو قريباتهم لممارسة الدعارة، كان أحدهم علي، الذي كان يسير في منتصف الليل مع زوجته في أحد شوارع عمان الرئيسية.
وبمجرد أن تومئ الزوجة برأسها لأي سيارة وتقف، يتظاهر علي بعدم رؤيته حركات خفية وألغازا بين الطرفين، إلى أن يقف السائق بجانبها، ويمد له رقم هاتفه الجوال حتى يتم الاتفاق مع الزبون.
ويتقاضى علي مبلغ 50 ديناراً على الساعة الواحدة مع زوجته، فيما يبلغ سعر الليلة الواحدة في شقته زهاء 200 دينار، وحسب الاتفاق.
عند سؤاله في سياق الدردشة عن سبب سلوكه هذا يقول علي إنها "الظروف.. والأوضاع المالية السيئة.." ولا يبدو أنه عاد يشعر بالغيرة مطلقا على زوجته، التي بدا أنها، وعبر الاستماع للهجتها، غير أردنية.
دوّامة البغاء
الدخول في عالم البغاء والدعارة قد يدخل الفتاة في "دوامة" يصعب الفكاك منها، وبخاصة في ظل وجود جماعة منظمة يشرف عليها رجال وأصحاب سوابق، يكنون عادة بـ "القوادين"، وهم أشخاص قد يرتبطون بعلاقة قرابة بالفتاة أو بالرابطة الزوجية.
وكانت ثارت قبل زهاء ثلاثة أعوام قضية حركت الرأي العام في الأردن، عندما أعلنت أول طبيبة شرعية إسراء الطوالبة، أن فتاة تدعى "مهى"، وتبلغ من العمر 18 عاما، تعرضت للقتل على يد شقيقها، عندما رغبت في الخروج من "دوامة الدعارة"، التي امتهنتها عائلتها، فقتلها شقيقها لتمردها، مدعيا تطهيره سمعة العائلة، وهو عذر يشكل في غالب الأحيان ستارا يخفي دوافع أخرى في بلد محافظ ينال مرتكب جريمة الشرف فيه حكماً مخففاً.
حينذاك، قالت الطوالبة، إن الفتاة أرادت التوقف عن ممارسة الدعارة التي امتهنتها العائلة، فقتلها شقيقها العام 2006.
وكان الجاني يتعاطى المخدرات، وصاحب سجل إجرامي، ويعمل في الدعارة في شرق عمان.
وأوضحت الطوالبة أنه سلم نفسه للشرطة وادعى قتلها لتطهير شرف العائلة.
وبطبيعة الحال أثبتت الفحوصات أنها عملت في الدعارة وحكم على شقيقها بـ "السجن لعامين فقط إذ استفاد من حكم مخفف".
وأضافت "لم يكترث أحد لرغبة الفتاة في التوقف عن ممارسة الدعارة، وبالتالي استطاع شقيقها الحصول على عقوبة مخففة لأن "مجتمعنا ذكوري ولم يكن ذلك عادلا".
المخاطر من الإيدز
إلى ذلك، حددت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإيدز التي أطلقت العام 2005 الماضي، وانتهت أواخر الشهر الماضي، عدة فئات اعتبرتها "خطرة" على المجتمع، مطالبة بضرورة الوصول إليها للحد من انتشار الأمراض المنقولة جنسيا، ومن بين هذه الفئات "بائعات الهوى".
فيما يشير أستاذ القانون الجزائي المساعد في الجامعة الأردنية أحمد الهياجنة إلى أن الاتصال الجنسي بين البالغين وبالرضا، "وبما لا يخدش الحياء العام" لا يشكل جريمة، بموجب نص القانون، إلا إذا كان منظما ومدارا على شكل وكر للدعارة والبغاء.
وتعرف الدعارة أو البغاء قانونيا، بأنها فعل استئجار أو تقديم أو ممارسة خدمات جنسية بمقابل مادي كـ"بيع الخدمات الجنسية"، وفق دراسات تشير إلى أن "الدعارة ظاهرة قديمة بقدم الإنسانية"، وتربط دراسات سببها الرئيسي بالفقر.
ويعاقب قانون العقوبات بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة مالية من خمسة إلى خمسين ديناراً، كل من قاد أو حاول قيادة أنثى لم تتجاوز
الـ 20 من عمرها، ليواقعها شخص مواقعة غير مشروعة في المملكة أو الخارج، وكانت تلك الأنثى ليست بغيا، أو غير معروفة بفساد الأخلاق، أو قاد أنثى لتصبح بغيا في المملكة أو الخارج أو أن تقيم في بيت للبغاء.
ويفرض القانون جزاء يتراوح بين الحبس أسبوعا إلى ستة أشهر، أو بغرامة مالية من خمسة إلى مائة دينار، أو بكلتا العقوبتين، على كل من أعد بيتا للبغاء، أو تولى إدارته أو اشتغل فيه، أو ساعد في إدارته، أو كان مستأجرا منزلا وسمح باستخدامه أو قسم منه للبغاء، أو كان مالكا وأجر المنزل لأجل ممارسة البغاء فيه.
ويحبس من ستة أشهر إلى سنتين كل ذكر يعتاش على ما تكسبه أنثى من البغاء، في حين إن كل امرأة يثبت عليها أنها ابتغاء للكسب، تؤثر على حركات بغي بصورة يظهر معها بأنها تساعد تلك المرأة أو ترغمها على مزاولة البغاء مع شخص آخر تعاقب بالحبس من أسبوع إلى سنة أو بغرامة من خمسة إلى خمسين دينارا.
لا إحصائيات دقيقة
وحسب مصادر قضائية، طلبت عدم الإفصاح عن اسمها، "لا تتوافر لدى المحاكم إحصائيات وأرقام مُحددة حول عدد الفتيات المحكومات بجرم الدعارة في سجن الجويدة" الوحيد الذي يخصص لسجن الإناث.
ويرجع قانونيون ذلك إلى تعدد المرجعيات القضائية، وتداخل عمل المحاكم. ففي حين تنظر محكمة البداية قضايا الدعارة والزنا، تختص محكمة في الجنايات الكبرى بنظر قضايا هتك العرض والاغتصاب والشروع فيهما، التي قد توجه كتهم للزبون، الذي يمارس الجنس مع العاملة بناء على أقوالها وطبيعة الواقعة.
وبسبب تحريم الأديان السماوية للدعارة والزنا، ورفض الثقافة العربية والإسلامية لممارسيها، فقد أطلقت على ممتهني هذه المهنة أسماء وأوصاف عديدة تتسم بالبذاءة، وهي مسميات نابية تستخدم للشتم في معظم الأحيان.
رصد أمني للظاهرة
من جهته، يؤكد الناطق الرسمي باسم مديرية الأمن العام الرائد محمد الخطيب أن "لدى مديرية الأمن العام قسم متخصص بملاحقة الفتيات العاملات في الدعارة وممارسي البغاء يتابع الحالات الواردة إليه".
ويقول الخطيب لـ "الغد" إن هذا القسم يتحرك بناء على شكوى رسمية مقدمه له، أو من خلال الملاحظات والمتابعات، التي ترد إلى أفراد وضباط القسم المعني، لملاحقتهم ومتابعتهم والتحقيق معهم، قبيل إحالتهم إلى المحكمة المختصة.
وحسب الخطيب، فإن أشخاصا "معينين ومعروفين" لدى مديرية الأمن العام، "يمارسون هذه الجرائم"، لكنهم يحاولون دوما "تغيير مواقعهم"، وهو ما يستطيع أن يحدده القسم المعني لإلقاء القبض عليهم.
الإسلام يحرّم الزنا
وتحرم الأديان جميعها كافة الممارسات الجنسية الخارجة على عقد الزواج الشرعي، وفق أستاذ الفقه في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية محمد أبو يحيى، الذي أكد أن "الإسلام يحرم الزنا الذي يجر المرء إلى الهلاك".
واستدل أبو يحيى بالآية القرآنية "ولا تقربوا الزنا، إنَهُ كان فاحشةً وساءَ سبيلا"، والحديث النبوي الشريف "كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله".
وتتطلب مكافحة هذه "الآفة" تشديد الرقابة على الأماكن التي تنتشر فيها هؤلاء الفتيات، في مجتمع يشكل الشباب فيه زهاء 70 % من سكانه المقدر عددهم بـ 5.8 مليون نسمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق