الجمعة، 1 أكتوبر 2010

باسم الحكومة - زكريا تامر

باسم الحكومة
    
تجول أحد الصحافيين في الشوارع باحثا  عن موضوع يكتب عنه ويصلح للنشر في الجريدة الحكومية التي يعمل فيها، فخطر له أن يكتب عن الفقر المتفشي، ولكنه تنبه إلى أنه موضوع قد يستغله خصم ما للادعاء أنه معاد للحكومة، ويلمح إلى أن تقصيرها هو المسؤول عن ازدياد الفقر.
وخطر له أن يكتب عن تكاثر حوادث الطلاق، فطرد الفكرة توا  من رأسه حتى لا يتهم بأنه يتناول أمورا  هامشية مهملا  القضايا المصيرية.
وخطر له أن يكتب عن الشعر الحديث, فتمطى وتثاءب, وأوشك أن ينام وهو سائر. وخطر له أن يكتب عن أزمة السير، ولكنه اختار ألا يكتب عنها احتراما  للسيارات الحكومية التي لا تتقيد بقوانين السير وتشيع الفوضى.
وخطر له أن يكتب عن الحرية، فقرر حالا  أنها مسألة لا تستحق أي اهتمام ولا يؤبه لها.
وعندما أجهده المشي في الشوارع والتفكير، دخل حديقة عامة طلبا  لقليل من الراحة، وجلس على أحد مقاعدها، فقال له المقعد بصوت متذمر:انهض عني، ما أثقلك.
فدهش الصحافي، وقال باستغراب: هذا عالم غريب... المواطن لا يتكلم والمقعد يتكلم.
المقعد: كأنك نسيت أن أساليب التنكر قد تطورت، والعلم الذي أوصل الإنسان إلى الفضاء قادر أيضا  على تحويل مواطن من إنسان إلى مقعد.
الصحافي: هل تقصد أنك كنت إنسانا ؟
المقعد: ولا أزال إنسانا  وموظفا  حكوميا  أيضا، ولكني أتقيد بما أؤمر به. أكلف بالتنكر في شكل مقعد، فأصير مقعدا، وقبل أيام طلب إلي  التنكر في هيئة خروف لجمع معلومات عن الأمن الغذائي، وكدت أذبح، وفي يوم آخر تنكرت في هيئة صحافي، فلم أترك شيئا  لم أنتقده، وكل من رحب بانتقادي كشف نياته السيئة واعتقل.
الصحافي: أنا صحافي، فما هو الفارق بيني وبينك؟
المقعد: إذا كنت حقا  صحافيا  في هذا البلد، فلا وجود لأي فارق بيننا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق